Sunday 14 August 2011

فاجعة وطنية




   
في أحد بلدان العالم الثالث، كان ثمة أم تحب رضيعها حباً لا حدود له. لم تبخل هذه الأم الحنون على ولدها بما قد يقوي عظمه أو ينمي طوله، على الرغم من قلة ذات يدها و ضيق حالها. تأثرت الأم بإعلان مصور لأحد أصناف حليب البودرة، تنتجه شركة متعددة الجنسيات.
فالدعاية تظهر طفلاً يكبر و ينمو و يلعب كرة القدم ، ثم لا يلبث أن يصبح شاباً فتياً يرتدي  ثوب التخرج. يرافق الحليب الصبي في كل مراحل حياته، و تتسارع لحظات هذه الأخيرة كي تمرَ في ثوان معدودة، مما يعطي انطباعا للمشاهد بأن الصبي بطل الإعلان ينمو بلمح البصر.
سارعت الأم إلى شراء هذا الحليب من أقرب دكان، و ثابرت على إطعام طفلها منه صبح مساء. و كبر الرضيع بسرعة بالفعل، و لكنه تضخّم حجما عوضا عن أن يشبَ و يتقدم في العمر. أخذ الطفل بالنمو بشكل عجيب، فتطول قامته و يفرع طوله و هو لا يزال على هيئة الرُّضع. و ما هي إلا بضعة أسابيع، حتى أصبحت قامة الطفل لا تقل عن مئة و خمسين متراً. تداعى العلماء و الخبراء لمعرفة السبب، و بعد مراسلات أجروها مع الشركة المصنعة، إكتشفوا أنَ العلة تكمن في أن هذا الصنف من الحليب، قد بدأت الشركة بإنتاجه في الدول المستهلكة له مباشرة، عملاً بالمبدأ الإقتصادي القائل بتخفيض كلفة الإنتاج. و اٌتضح أيضا أن الحليب المنتج في هذه الدولة بالذات، إنما يحلب من أبقار تسكن منطقة كانت تسيطر عليها إحدى الميليشيات المحلية، و قد قامت هذه الميليشيا خلال الحرب الأهلية باستقدام النفايات المشعة من إحدى الدول الأوروربية و دفنها في تلك المنطقة لقاء مبلغ وفير من المال. فاٌتضح عندئذ أن ذاك الطفل و مئات الأطفال غيره قد بدؤوا بالنمو بشكل غير طبيعي جرَاء الإشعاعات المتأتية من تلك النفايات.  
ثم تطورت تلك المشكلة و أخذت منحى غير متوقع. 
فقد تمكّن الطفل المسخ من كسر القيود التي أوثقته بها أمه، و خرج يعيث فساداً و دماراً في شوارع العاصمة. و ما إن توقف الطفل العملاق، حتى أحس  بمغص في بطنه.  ركّز الطفل جيداً، و حدّق نظره في نقطة معينة، و ما كانت إلا لحظات حتى أراح نفسه مما يؤلم مصرانه. تغوّط الطفل بحجم ما يتغوط به العمالقة، و لم يجد شلال الغائط ما يقف في وجهه. إذ أن الأم قد عجزت عن إيجاد  حفاض أو صنع آخر يلائم حجم مؤخرة إبنها.
و تصادفت هذه الحادثة مع مرور سيارة رباعية الدفع، تقل أحد نواب الأمة. تزحلقت دواليب السيارة فوق طبقة الغائط، و لم يستطع السائق المرافق أن يسيطر عليها. تدحرجت السيارة، ثم استقرت بعد أن كان النائب قد لفظ  أنفاسه. 
جرت مراسم  مهيبة وداعا للنائب الشهيد، أطلق خلالها الحرس المسلح إحدى و عشرين طلقة. ثم تقدم الرئيس الروحي للطائفة الدينية التي ينتمي إليها النائب، و تلا مرثية أبكت عيون الحضور و المشاهدين عبر القنوات الفضائية على حد سواء، و قد بكت أيضا والدة الرضيع المسخ. إلا أن رجل الدين ذاك قد نسي ان يذكر أن الشهيد كان مسؤولا عسكريا  في تلك  الميليشيا التي دفنت النفايات المشعة.   
  

No comments:

Post a Comment