Wednesday 11 July 2012

الصحافة في ((بلادنا)): في الأمس كما اليوم





المصدر: مدونة نقد بنّاء



 قد تبدو عبارة (( التاريخ يعيد نفسه)) مبتذلة في أحيان عدة لكثرة ما يتم تكرارها، ولكن قولها يصح في مواضع أخرى، منها وصف حال الصحافة في لبنان.   

في محاضرة لجبران التويني الأب (الجد)، ألقيت في الجامعة الأميركية في بيروت بتاريخ  8/12/1938 بدعوة من جمعية ((العروة الوثقى))*، تحدث تويني عن حال ((حرفة)) الصحافة في أيامه -- كان يرفض أن يسميها ((مهنة)) بسبب ارتباط هذه الكلمة المعجمي بمعنى المَهانة، أي الذل.

ينبّه تويني جمهوره لعلاقة الصحافة بالسياسة، ولكن ما هو ملفت، أنه تصدّى لمشكلة تمويل الصحافة والتبعية الزبائنية التي تنشأ إثر تلقي الصحيفة أموالاً من جهات سياسية، وهي مشكلة مهنية يبدو أنها كانت موجودة في الثلاثينات من القرن الماضي، أي قبل بروز المشكلة الحالية التي يتحدث عنها اليوم أهل الصحافة، وهي العجز المالي في الصحف  بسبب تدني المبيعات وسيطرة الإعلام الإلكتروني.

يقول تويني:

(( ... ان الاحزاب في الدول الديموقراطية تغطي العجز في صندوق الجريدة اذا وقع، بينما الدولة في الدول الاوتوقراطية هي التي تغطي العجز لان الدولة هناك هي الحزب، والبلاد كلها حزب واحد يجب عليها ان تفكر كما يفكر المسيطر عليها، المتحكم بمقدراتها.))

 ثم ينتقل إلى الحديث عن الصحافة المحلية: 
 
((على ان هناك بلاداً ليست بالديموقراطية ولا بالاوتوقراطية، بل هي حائرة بين النظامين، كبلادنا مثلا، فان حالة الصحافة في هذا النوع من البلاد من أسوأ الحالات واشدها ارتباكاً. فالصحافة فيها حرة في الأصل، لكن سلطة الحكومة ترصدها على المنعطفات، فاذا نشرت ما يعكر مزاج الحاكمين نكبوها بالتعطيل الاداري، من غير ان يعطوها فرصة الدفاع عن نفسها، كما يعطون المجرمين على الاقل ... .))

ما قاله تويني عن حال الصحافة وقتئذٍ يشبه ما يمكن قوله عن حالها اليوم، ولربما وجب استبدال عبارة ((التعطيل الاداري)) بعبارة ((المظاهرات العفوية وحرق الدواليب)) لكي يصبح التشابه تطابقاً. ولكن يبقى ما لم يقله تويني، ولم يقله بعده ابنه ولا حفيده، ولا إبنة حفيده: من ((يغطي عجز)) النهار؟

_____

على الهامش
  
في العدد الظاهر في الصورة أعلاه، وهو من العام 1933، ذيّل عنوان الصحيفة بالآية القرآنية وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً، ولكن هذه الآية اختفت في أعداد السنوات اللاحقة من الصحيفة.     

* غسان تويني، سر المهنة وأصولها - محاضرات في الصحافة ومقالات عن كبارها.  بيروت : دار النهار للنشر، 1990