Tuesday 28 February 2012

عن مظاهرة على الأرجح ليست بذات جدوى: ((ثانكس)) على مشاركتكم


لم أتردد طويلا قبل أن أقرر المشاركة في تظاهرة دعى إليها نشطاء في المجتمع المدني عبر الفيسبوك، على الرغم من عدم إيماني بأي فعالية للتحرك. كان الطمع  بفرح المشاركة  بحد ذاته كافيا، إذ كانت مناسبة للتعبير الجماهي  عن الإشمئزاز؛ كنا ذاهبين
(( لنقرف مع بعض))، كما قالت ل.  لقد كان ((القرف)) قد وصل إلى مستويات عالية بعد مهزلة التسوية غير القانونية التي أجريت لحل الخلاف حول موضوع الحد الأنى للأجور، فكسب الوزير شربل نحاس تعاطفا و احتراما كبيرين لما تعرض له من خيانة سياسية من كتلته النيابية التي تدّعي الإصلاح. أثبتت هذه الحادثة مرة أخرى وقاحة السياسيين و تأكدهم أن ناخبيهم لن يحاسبوهم و لو للحظة واحدة عما يقترفون. لا ضير إذا من قول كلمة ((لا))، و لو كانت ستقع على آذان صماء.


بعد رحلة على متن باص يحمل الرقم 2، وصلت و أصدقائي  الثلاثة ل.، ج. و ف.  إلى نقطة التجمع في منطقة الدورة،  و التحقنا ببضع المئات من المتظاهرين الذين كانوا واقفين عند ناصية الشارع، حاملين لافتات معدة سلفا من قبل اللجنة المنظمة. تقدمت مني إحدى الفتيات من اللجنة و سألتني إذا ما كنت أريد لافتة مماثلة. ((و لمَ لا؟))؛ لقد بلغت هذا الحد من مسيري، فلأستفد من روحي الإيجابية التي نادرا ما تظهر. كانت اللافتة التي حملتها تطالب  بتوحيد قوانين الأحوال المدنية، فيصبح اللبنانيون إذا ما تحقق المطلب متساوين أمام القانون فيما خص الزواج و الطلاق و الإرث، و تزول بذلك العوائق  أمام  اللبنانيين الذين ينتمون إلى طوائف مختلفة و الراغبين بالتزاوج فيما بينهم.

و بعد حوالي بضع دقائق من الإنتظار حاملين لافتاتنا، إنطلقت التظاهرة بعد أن تيقن المنظمون من أن المئات لن يتحولوا إلى آلاف.  شقينا طريقنا و الناس من حولنا و من على الشرفات  ينظرون مستهجنين ما يرون. و قد أخذ المنظمون يرددون شعارات ((اقتبسوا)) ألحانها من أغان عربية معروفة أو هتافات سبق أن رددها المتظاهرون السوريون و المصريون، لتصبح الهتافات نشازا لم تستستغه آذان الكثيرين.  و لكن الفشل الموسيقي كان، و للأسف، أهون المشاكل التي وقعت فيها التظاهرة. فالمواضيع المثارة كانت متفرقة، تبدأ بالشكوى من اقطاع التيار الكهربائي، و تنتهي  بالتأكيد على حتمية سقوط النظام من خلال (( العلمانية)). كما بدت هذه المظاهرة كنوع من التطفل على الثورات العربية، و كـأن المنظمون كانوا يطمعون بالإستفادة مما حققته تلك  الثورات دون تقديم الجهد وبذل الدماء كما فعل المنتفضون العرب. 

و لكن أبرز ما لفتني كان هتاف إحدى الفتيات: ((جوعان و طبقي فاضي)). عندها تأكدت أن مشاركتي في فعاليات ذلك النهار كانت سخيفة و بلا أي مضمون. لم تكن مشاركتي هذه حتى كفيلة بتنفيس ((القرف)). من هم الجائعون يا عزيزتي؟ هل هم بيننا اليوم؟ لقد كان جلّنا، إن لم يكن كلنا، من البورجوازيين. بورجوازيون بوهيميون، نعم، لكننا بورجوازيين. ضائقتنا بورجوازية و كذلك هي أحلامنا. لا يكفي إطلاق الشعر أو اللحية، أو لبس الملابس الملونة الفضفاضة لكي يصبح المرء من البروليتاريا. لا شك أنه يوجد ((جائعون)) في لبنان، و هم إما عمال فقراء، أو ممن لا يعملون و هم تحت خط الفقر، و لكن هل هم بيننا في هذه التظاهرة؟ و إن لم يكونوا بيننا، هل جعلوا أي منّا وصيا أو وصية على كلمتهم؟  لا أظن ((الجائعين)) كانوا ليختموا المظاهرة بعبارة ((ثانكس)) كما بدر من أحد المنظمين كبادرة شكر على النشاط ((الثوري)) في يوم الأحد ذاك. 

بعد أن انتهى ذلك الحفل الكريم بوضع إكليل على حائط شركة الكهرباء كدلالة رمزية على موتها و إقامة حلقة دبكة على وقع إحدى الأغنيات ((اللاذعة السخرية)) ، إتجهنا جميعا نحو أحد المقاهي في الحمرا لنلاقي بعض الأصدقاء الآخرين.
 كانت ن. إحدى صديقات ل.  تبحث عن مؤسسة تؤمن لها منحة دراسية في ألمانيا بعد أن حصلت على القبول الجامعي. 

((أنا مستعدة لمنح صوتي السياسي لأي حزب،)) قالت ضاحكة. لكنها سرعان ما انتقلت إلى النقاش الجدي للتظاهرة التي كنا قد شاركنا فيها. (( لقد حان الوقت لتنحي الطبقة الوسطى و المثقفين جانبا و ترك الإحتجاجات لمن هم من الطبقات الدنيا. لقد رأينا المشكلة نفسها في الدعوة إلى إسقاط النظام الطائفي [و هي الحركة التي دعا إليها أنصار ((العلمانية)) في لبنان العام الماضي و التي انتهت بخلافات كبيرة فيما بين المنظمين أنفسهم] بالإضافة إلى حركة ((فلنحتل وال ستريت)) التي يبدو أنها انهارت من الداخل ، فهذه الطبقة مهووسة بصورتها أمام الجمهور أكثر من أي شيء آخر،)) حسبما قالت ن.،  خاتمة أنها تترك لبنان غير نادمة.

 و أنا؟ أين أذهب؟ لم يمض على عودتي أكثر من تسعة أشهر. و لكن لا بأس؛ فأنا عدت مراقبا، لا حالما و لا مصلحا ولا ثائرا. لطالما قلت لنفسي أن من يريد أن يكتب في تاريخ و مجتمع  لبنان لا بد من أن يعيش فيه. هذا أضعف الإيمان.

ثم انتقل الحديث إلى ما تعانيه م. من مشاكل و صعوبات في حصر إرث والدتها المتوفاة. كانت م. تشكو الضريبة المرتفعة البالغة 11 بالمئة على كل ممتلكات والدتها، خصوصا أن السيدة الراحلة كانت موظفة متوسطة الحال، لا يتناسب ما تركته مع حجم الضريبة. قال أحدنا أن هذا القانون عُلّق العمل به لمدة ثلاثة أيام عندما قتل رئيس الوزراء رفيق الحريري لكي يستفيد أبناؤه من نقل ممتلكات أبيهم دون دفع الضريبة، و أن من ذهب من عامة الناس لحصر إرث موتاه بعد انقضاء الأيام الثلاثة فوجئ بالعودة إلى القانون القديم. ثم ذكرت ن. أن البحث جار في منح العفو الضريبي نفسه لأقرباء كل من مات في العام 2005 كنوع من التحايل على الفضيحة.

(( و هل يجوز فرض الضريبة على أموال أب الرغيف؟)) قال ج. بسخرية مرّة. فكرّت في ذلك، ثم وردت في ذهني صورة الجموع تتوافد للوقوف عند ضريح الحريري بخشوع، و الكرنفال السياسي الذي يقام كل عام تكريما لذكراه  و شحذا للهمم، ثم قلت لنفسي أن ما سمعته عن ذلك الإعفاء الضريبي الذي استفاد منه أولاد الحريري كان يجب أن يكون كافيا لجعل الناس يرقصون عراة فوق قبره.

 ربطت تلك الفكرة بالتظاهرة التي كنا قد شاركنا بها قبل بضع ساعات. هل ستكفي هذه التظاهرة الهزيلة  التي شاركنا فيها لتغيير هذا الواقع المر حيث التبعية السياسية العمياء ((لملوك الطوائف)) و زعماء الحرب الأهلية بكافة مذاهبهم؟ هل سيكفي الزواج المدني لتغيير الإصطفاف الطائفي من الأسفل صعودا؟ إن الأمر مرتبط بتعقيدات إجتماعية و اقتصادية تراكمت على مدى أكثر من قرن و نصف القرن. هل تكفي بضع الهتافات غير المتناسقة ((لهدم المعبد)) دفعة واحدة ؟ لمَ لا توضع خطة طريق تبدأ بخطوات عملية و متصلة بأحداث الساعة؟ لا زالت المشاورات تجري حول وضع قانون الإنتخاب جارية. لم لا تجري محاولة جدية و منظمة لاقتراح قانون انتخابات خارج القيد الطائفي؟ و  ماذا عن ذلك الهوس بالعلمانية؟ ألا يدري هؤلاء المتظاهرون أن نظامنا علماني أصلا لأنه ليس مستمد من أي تشريع ديني فيما عدا قانون الأحوال الشخصية؟ نظامنا طائفي، و لكن الإنتماء الطائفي الذي يُعتمد كأساس لتحديد واجبات الأفراد في لبنان و حقوقهم هو أيضا علماني، لأنه لا يعدو كونه مجرد ((لون)) إجتماعي، مثله مثل الإنتماء الإثني أو لون البشرة. 


أنهيت زجاحة البيرة التي كانت في يدي، فإذا بمحتواها و كأنه نزل في غير موضعه؛ اقترن هذا المحتوى بالتعب الجسدي ليزيد الأسئلة في رأسي تنافرا و اصطداما. ألف سؤال و سؤال لا يجد جوابا شافيا. لا أعرف إن كنت قد خنت الوعد الذي قطعته على نفسي بعدم الأمل بالتغيير.  كل ما أعرفه أني خرجت صباح ذلك اليوم طامعا بالتعبير البنّاء عن ((قرفي))، فإذا بي أعود مساء و قد زدت اشمئزازا. 


مصدر الصورة: مسروقة من الفيسبوك
_________


على الهامش: هذا ما جناه عاصي و فيروز على زياد! 


كانت مكبرات الصوت قبل انطلاق التظاهرة تصدح بأغنية ((عالنظام)) التي أطلقها زياد الرحباني في أوائل التسعينات ضمن ألبومه ((أنا مش كافر)). تبدأ الأغنية بانتقاد اللبنانيين لعدم تقيّدهم بالنظام العام، ثم تنتهي بخلق بيئة سمعية إفتراضية بالتحول من الكلام بالعربية المحكية باللهجة اللبنانية إلى أصوات غير مفهومة يبدو أنها تحاكي اللغات الأفريقية، و تتداخل مع أصوات القرود والطيور لخلق بيئة سمعية تحاكي الأدغال. 

هل أراد زياد الرحباني أن يقول أننا قبائل متخلفة تماما كما هم أفارقة الأدغال؟ 

إن شخصا مثل زياد الرحباني الذي طالما انتقد اللبنانيين لتوجسهم من ((الغريب)) و ترفعّهم عنه، لم يستطع  تفادي القوالب العنصرية التي طالما وُضع فيها الأفارقة. إضافة إلى ذلك، يبدو أن الرحباني لم يستطع أن يتقبل كون الإنقسام القبلي أو الطائفي سمة لبنانية بامتياز، وضعت بذورها  في التراب مع بذور الكيان اللبناني نفسه. لا حاجة للقول أن اللبنانيين قبليّون مثل الأفارقة؛ إننا في قبليّتنا نشبه أنفسنا و لا أحد غيرنا.

و لكن لا عتب على زياد الرحباني. لا بد أن تلك الأغنية كانت نتاج التعرض الطويل لمسرح الرحابنة بخرافاته الوطنية.  

((هذا جناه عاصي و فيروز عليّ و ما جنيت على أحد!))

Monday 20 February 2012

خبر عاجل !

الرئيس بشار  مخاطباً الشعب العربي السوري : " ليكا الكاميرا وين!"