Sunday 28 August 2011

كلام

الطفل: أمي؟ ما هو الكذب؟
الأم: هو ضرب من الكلام 
الطفل: و هل كل الكذب كلام؟
الأم: نعم
الطفل: حتى و إن تضمن الفعل؟
الأم: نعم ..  خصوصا إن تضمن الفعل. لا بل إن الكلام لا يسمى كذبا إلا إذا اقترن بفعل لايطابقه. 
الطفل: مثلما حاولت فقأ عين أخي بقلم الرصاص ذلك اليوم، ثم أنكرت فعلتي ...و لِمَ لم تعاقبيني على كذبي؟
الأم: و ما الفائدة من ذلك ...إن لم تكذب اليوم خوفا من عقابي، فستكبر و تكون قد تحررت من سطوتي و تعاود الكذب.
 الطفل: وهل الكلام كله يعد كذبا؟ 
الأم: تقريبا ...
الطفل:هل البالغين كلهم يكذبون؟
الأم: نعم
الطفل:ما المثال على ذلك؟
الأم:  والدك يقول لي مثلا إنه لم يخنني قط في حياته، فيكون قد كذب، و أقول له إن قلبي لم يخفق لغيره منذ أن التقينا، فأكون قد كذبت. ثم يقول الملك إنه مستعد للموت من أجل شعبه، فيكون قد كذب؛ و يقول الرئيس إنه جاء بناء على اختيار شعبه له، فيكون قد كذب؛ و يقول البقال إن بضاعته ليست مغشوشة، فيكون قد كذب؛ و يقول رئيس الشرطة إنه لم يحدث أن مات أحد الموقوفين تحت التعذيب في أقسام الشرطة، فيكون قد كذب؛ و يقول رجل الدين لرعيته إنهم سيدخلون الجحيم إن هم لم يطيعوه، فيكون قد كذب؛ و يقول مذيع النشرة الجوية إن الطقس سيكون مشمسا في اليوم التالي ، فيكون قد كذب؛ و يقول الطبيب إنه يمتهن الطب لنبالة المهنة، لا غاية في الكسب، فيكون قد كذب؛ و يقول صاحب مصنع الألعاب إن ليس من أطفال في مصنعه ينكبون على صنع ألعاب هم اصلا لا يملكون ثمنها، فيكون قد كذب؛ و يقول زعيم المعارضة إنه أكثر نزاهة ممن هم في الحكم، فيكون قد كذب؛ و تقول لك معلمتك في المدرسة ألا تكذب، موحية لك و لرفاقك أنها آية في الأخلاق، فتكون قد كذبت.
الطفل: و هل أنت الآن تكذبين علي فيما تقولين؟
الأم: كلا.




Wednesday 24 August 2011

الخنازير الثلاثة - 2



ثم ما إن نفخ الذئب و أوقع البيت الخشبي حيث يختبئ الخنزيران الصغيران، حتى هرع الأخيران نحو بيت اخيهما المبني من الحجر. فعندما وصلا، أخذا يطرقان الباب حتى كلّت قوائمهما الصغيرة، و لكن من دون جدوى. فركض الخنزيران مسرعين، لا يعرفان أين يتجهان، بينما الذئب لا يزال يركض في أعقابهما، مكشرا عن أنيابه.

و ما هي إلا لحظات، حتى وجد الخنزيران نفسهيما يقفان وجها لوجه مع جموع سلفية غاضبة ، كانت في طريقها نحو السفارة الأميركية لكي تحتج على مقتل أسامة بن لادن.

 هاجت الجموع لرؤية الخنزيرين و ماجت، و علا الصراخ  مختلطا بصيحات التكبير لتنهال بعدها الضربات على رأسي الخنزين المسكينين من كل حدب و صوب. و لم تتوقف الضربات إلا بعد أن أصبح الخنزيران جثتين هامدتين صغيرتين . ثم وقف قائد المسيرة و ارتجل خطابا قصيرا، فقال: " سبحان من وفقنا و نصرنا في غزوة لم نكن إليها لمهتدين. لقد أزحنا عن الدنيا رجسا عظيما." 

ثم عاد المتظاهرون أدراجهم بعد أن أحسوا بأنهم قد أتموا واجبهم، عوض تكلف العناء و إكمال المسير نحو السفارة. أما الذئب، فهاله روع ما رأى من جثتين مهشمتين عندما وصل . فحمل الخنزيرين بخشوع، و دفنهما في مكان لائق في ظل شجرة وارفة.

الخنازير الثلاثة



ثم ما إن نفخ الذئب و أوقع البيت الخشبي حيث يختبئ الخنزيران الصغيران، حتى هرعا نحو بيت اخيهما المبني من الحجر. فعندما وصلا، أخذا يطرقان الباب حتى كلّت قوائمهما الصغيرة، و لكن من دون جدوى. فركض الخنزيران مسرعين، لا يعرفان أين يتجهان، بينما الذئب لا يزال يركض في أعقابهما، مكشرا عن أنيابه.


رأى الخنزيران المسكينان مركزا للشرطة، فاٌطمأنّا لقرب خلاصهما، فدخلا و اخبرا رئيس المركز بما جرى لهما، و ما أصابهما من خطب.  وعد رئيس المركز الخنزيرين خيراً، و أقسم بشرف أخته أن يحمي حياة الخنزيرين الصغيرين،  و طلب منهما أن يطمئنا إلى حياتهما.

و ما كانت إلا لحظات حتى تقفّا الذئب أثر الخنزيرين، و دخل مركز الشرطة سائلا عنهما. هدد ضابط الشرطة الذئب، و حذره قائلا إن الخنزيرين المسكينين هما تحت حماية القانون و تحت حمايته هو شخصيا.


لم يهتز الذئب لما سمع، و جلّ ما فعله هو أن تناول هاتفه من جيبه بكل هدوء،  مخاطبا رجلا أشار إليه بكنية "أبو كمال". ثم ناول الهاتف إلى الضابط، الذي لم يقم  سوى بهز رأسه أثناء المكالمة الهاتفية، قائلا بين الحين و الآخر : " نعم ...نعم".

 رد الضابط الهاتف إلى الذئب و اعتذر منه عن سوء ما بدر منه، قائلا إنه لم يتشرف بالتعرف إلى الذئب جيداً  قبل التحدث إلى أبي كمال، ثم قام الضابط  بمرافقة الذئب إلى غرفة جانبية حيث كان قد خبأ الخنزيرين الصغيرين، و قال له أن ينده بطلب أي شيئ قد يحتاج إليه. 

Sunday 14 August 2011

فاجعة وطنية




   
في أحد بلدان العالم الثالث، كان ثمة أم تحب رضيعها حباً لا حدود له. لم تبخل هذه الأم الحنون على ولدها بما قد يقوي عظمه أو ينمي طوله، على الرغم من قلة ذات يدها و ضيق حالها. تأثرت الأم بإعلان مصور لأحد أصناف حليب البودرة، تنتجه شركة متعددة الجنسيات.
فالدعاية تظهر طفلاً يكبر و ينمو و يلعب كرة القدم ، ثم لا يلبث أن يصبح شاباً فتياً يرتدي  ثوب التخرج. يرافق الحليب الصبي في كل مراحل حياته، و تتسارع لحظات هذه الأخيرة كي تمرَ في ثوان معدودة، مما يعطي انطباعا للمشاهد بأن الصبي بطل الإعلان ينمو بلمح البصر.
سارعت الأم إلى شراء هذا الحليب من أقرب دكان، و ثابرت على إطعام طفلها منه صبح مساء. و كبر الرضيع بسرعة بالفعل، و لكنه تضخّم حجما عوضا عن أن يشبَ و يتقدم في العمر. أخذ الطفل بالنمو بشكل عجيب، فتطول قامته و يفرع طوله و هو لا يزال على هيئة الرُّضع. و ما هي إلا بضعة أسابيع، حتى أصبحت قامة الطفل لا تقل عن مئة و خمسين متراً. تداعى العلماء و الخبراء لمعرفة السبب، و بعد مراسلات أجروها مع الشركة المصنعة، إكتشفوا أنَ العلة تكمن في أن هذا الصنف من الحليب، قد بدأت الشركة بإنتاجه في الدول المستهلكة له مباشرة، عملاً بالمبدأ الإقتصادي القائل بتخفيض كلفة الإنتاج. و اٌتضح أيضا أن الحليب المنتج في هذه الدولة بالذات، إنما يحلب من أبقار تسكن منطقة كانت تسيطر عليها إحدى الميليشيات المحلية، و قد قامت هذه الميليشيا خلال الحرب الأهلية باستقدام النفايات المشعة من إحدى الدول الأوروربية و دفنها في تلك المنطقة لقاء مبلغ وفير من المال. فاٌتضح عندئذ أن ذاك الطفل و مئات الأطفال غيره قد بدؤوا بالنمو بشكل غير طبيعي جرَاء الإشعاعات المتأتية من تلك النفايات.  
ثم تطورت تلك المشكلة و أخذت منحى غير متوقع. 
فقد تمكّن الطفل المسخ من كسر القيود التي أوثقته بها أمه، و خرج يعيث فساداً و دماراً في شوارع العاصمة. و ما إن توقف الطفل العملاق، حتى أحس  بمغص في بطنه.  ركّز الطفل جيداً، و حدّق نظره في نقطة معينة، و ما كانت إلا لحظات حتى أراح نفسه مما يؤلم مصرانه. تغوّط الطفل بحجم ما يتغوط به العمالقة، و لم يجد شلال الغائط ما يقف في وجهه. إذ أن الأم قد عجزت عن إيجاد  حفاض أو صنع آخر يلائم حجم مؤخرة إبنها.
و تصادفت هذه الحادثة مع مرور سيارة رباعية الدفع، تقل أحد نواب الأمة. تزحلقت دواليب السيارة فوق طبقة الغائط، و لم يستطع السائق المرافق أن يسيطر عليها. تدحرجت السيارة، ثم استقرت بعد أن كان النائب قد لفظ  أنفاسه. 
جرت مراسم  مهيبة وداعا للنائب الشهيد، أطلق خلالها الحرس المسلح إحدى و عشرين طلقة. ثم تقدم الرئيس الروحي للطائفة الدينية التي ينتمي إليها النائب، و تلا مرثية أبكت عيون الحضور و المشاهدين عبر القنوات الفضائية على حد سواء، و قد بكت أيضا والدة الرضيع المسخ. إلا أن رجل الدين ذاك قد نسي ان يذكر أن الشهيد كان مسؤولا عسكريا  في تلك  الميليشيا التي دفنت النفايات المشعة.   
  

Saturday 13 August 2011

Lineage


My friend Tarek and I managed to retrace our ancestries.
It took us a liter of strong beer each -- followed by a few minutes of staring into each others' faces -- to make our discovery: Tarek's ancestors are Crusaders, while I descend from Mongol conquerors. Tareq's green eyes and blond hair, and my Asian eyes and round face left no doubt concerning our findings. We verified these further by contrasting his relatively longer attention span with mine; it all agreed but too well with the characteristics of our presumed ancestors. While Crusaders came to this part of the world to stay for nearly three centuries, my forefathers only swept through these lands without leaving a single trace. 
After celebrating our breakthrough in genealogy, we got up and decided to revive our ancestors' heritage. We walked down Hamra street, giving these bastards of lowly local stock what they deserved. While Tarek despised the locals' heresy -- them being either Muslims or Christians of a faith tainted with Oriental blasphemy-- I looked down on their meager build and ignorance of horsemanship. Tarek decided to re-enact a battle about which he had read, and where chroniclers had witnessed cases of cannibalism. So he grabbed two seven-year old boys, crushed their miniscule skulls with a strike of his sword then feasted on their char-coaled meat. I hurried to the AUB library and started emptying the contents of its shelves into the sea. I was hoping to turn its water black, as  my ancestors had done to the Tigris after they had filled it with books from the libraries of Baghdad. I noticed, however, that the sea water was already soiled with sewage, and any dissolved ink would surely not be visible. I soon lost interest and  stopped.




Then, I called upon Tarek to stop building his castle and we sat down  to draft a plan for our  future in Lebanon. Our plan would commemorate our ancestors, and preserve our own rights as well as those of our fellow descendents from Crusaders and Mongols. 
Hence, we shall soon address the new government, asking for two new religious holidays, as well as two parliamentary seats reserved for the new sects: Crusaders and Mongols. 

photo credits: "A Separate State of Mind" http://stateofmind13.wordpress.com