المصدر :Jaber al-Anazi |
تحرك عقرب الساعة الكبير قليلا إلى اليمين، فوصل إلى الرقم 12، بينما كان العقرب الصغير قد سبقه إلى الرقم 7. دق جرس المنبه، فمد سمير يده و أسكته، و عاد إلى النوم.
ثم بعد خمس دقائق، عاود المنبه رنينه، فعاود سمير فعلته مرة أخرى، قبل أن يستسلم للنهوض عند الجولة الثالثة من رنين المنبه بعد خمس دقائق اخرى.
جرّ سمير نفسه إلى الحمام على مضض، و عيناه لا تزال مغمضتان؛ إستحم سمير ثم ارتدى بذلته الرسمية. توجه بعدها إلى المطبخ ليشرب فنجان القهوة الذي واظب على تناوله صباح كل يوم على مدى أكثر من عشرين عاما.
ما إن أنهى سمير قهوته حتى توجه ليبدأ يومه المعتاد، فنزل الطبقات الست مستخدما المصعد، ثم اشترى جريدته المفضلة و وضعها تحت إبطه دون أن يتصفحها، و من ثم توجه نحو حماره ليجده مستيقظا و في انتظاره. إمتطى سمير حماره و توجه به إلى مكان عمله، سائرا بين السيارات و الحمير و سائر المطايا الأخرى.
و أثناء مسيره، رأى سمير ما اعتاد رؤيته صباح كل يوم في شوارع العاصمة:
أول ما طالعه كان أحد مكاتب التشغيل التي تنتشر في كل الشوارع، و قد اعتلى مدخله لافتة كبيرة كتب عليها "إستقدام نساء فقيرات جدا و فارعات القامة من كافة الدول المنضوية سابقا في حلف وارسو".
ثم تقدم قليلا و رأى عدة عناصر من الشرطة. فرجال الشرطة و شتى أجهزة الأمن الأخرى، كثيفو الوجود في المدينة التي يقطنها سمير، و يرتدون بّذات تتعدى بعدد ألوانها ألوان الطيف؛ فمنها الرمادي و الزيتي الغامق و الزيتي الفاتح و البني و الكحلي و الأسود.
أول شرطي رآه سمير كان يقف أمام فرن للمعجنات، فكان الشرطي ينظر إلى أصناف المعجنات بينما يده اليمنى تداعب بطنه المتدلي فوق الحزام تارة و خصيتيه تارة أخرى.
ثم سار به الحمار قليلا ، فرأى سمير شرطيا آخر يضرب بائعا متسولا، لا يتعدى من العمر السنوات العشر. فتابع طريقه قدما، فإذا ببصره يقع على سيارة رباعية الدفع، زجاجها داكن، يترجل منها رجل طويل القامة يلبس نظارات سوداء، سرعان ما شرع بكيل اللكمات لشرطي السير حتى وقع الأخير على الارض، فعندها أخذ الرجل بركله.
كانت قدم الرجل تطأ رأس الشرطي تارة و شجرة الأفوكاتو التي تتوسط قبعته العسكرية تارة أخرى، و الناس من حوله، و منهم سمير نفسه، يتفرجون قليلا ثم يتابعون مسيرهم غير مهتمين.
تابع سمير مسيره، قبل أن يتوقف الحمار فجأة. حاول سمير أن يجبر الحمار على التحرك و لكن دون جدوى، فقرر حينها أن يستوقف سيارة أجرة. جلس سمير إلى جانب السائق، و كان الأخير يستمع إلى برنامج إذاعي يستضيف الله .
كان الله يتكلم إلى المذيعة بإسهاب عن شتى المواضيع الدنيوية و الروحية على حد سواء، وكان يتحدث بالعربية طوال الوقت، غير أنه كان يشرد أثناء الحديث، فيتكلم بالبرتغالية حينا، و باللغة السواحيلية حينا آخر، قبل أن يتنبّه إلى الأمر و يعود للتحدث باللغة العربية من جديد.
كان الله هادئا على غير عادته، و قد استرسل بالحديث إلى المستمعين و نصحهم بالإكثار من الصلاة.
و قد ارتاح الله أثناء الكلام مع المذيعة اإلى حد أنه قرر البوح بسر عظيم.
مد سائق الاجرة رأسه فجأة من نافذة السيارة، و قطع صمته الطويل بأن صرخ بأعلى صوته: " شوكولا!"، و ذلك لدى رؤيته فتاة إثيوبية تمر ماشية. أما سمير، فكان جل ما يهمه هو أن يُجنِّب عينيه الدخان المتصاعد من سيجارة السائق. هكذا فوت الإثنان فرصة معرفة موعد يوم القيامة.
وصل سمير إلى مقر عمله متأخرا، فركض مسرعا إلى موقعه.
كان سمير يعمل في مركز لتفقيس بيض الديك الرومي، و المركز كان مساهمة من الشعب الأميركي لدعم النشاطات البديلة عن الصحافة. و بعد نحو عشر دقائق من جلوسه فوق العش المخصص له، فقست إحدى البيضات التي في العش، و خرج الصوص ينظر إلى سمير بحنان، غير أن سمير كان منشغلا بقراءة أخبار الدوري الإسباني بكرة القدم، فاستشاط غضبا لدى قراءته نبأ خسارة نادي برشلونة، و أخذ يشتم و يرفس الأرض بقدمه، إلى أن داس الصوص، فعوقب بحسم 75 دولارا من أجره الشهري البالغ 50 دولارا.
إتجه سميرنحو بيته بعد انتهاء الدوام، و مر بحماره ليجده مسروقا. و سرقة الحمير في المدينة التي يعيش فيها سمير كانت أمرا معتادا، حيث يدير وزير الصحة و رئيس لجنة حماية المستهلك في وزارة الإقتصاد شركة لإنتاج لحوم الحمير المعلبة، تعتمد على سرقة الحمير كمصدر رئيسي للحومها.
تابع سمير مسيره نحو بيته، و ما إن وصل إلى مدخل البناية حيث يقطن، حتى ضغط زر المصعد،فإذا به يفجع بما لم يصادف في حياته، لا هو و لا أي من ابناء بلده الآخرين؛ فقد كان التيار الكهربائي مقطوعا !