Thursday, 2 August 2012

ضيف عزيز

 peintures-tableaux.com كلود مونيه  (La Mer à Antibes)البحر في انتيب   







قررت السباحة في المياه المجانية على شاطئ مدينتي. لم أشأ أن أدفع المال لقاء ما هو حق طبيعي. غطست في المياه  مع أني كنت أعرف ما قد تحويه بالرغم من صفائها، فالهواء الذي نتنشقه غصباً ليس أكثر نقاءً.
وبعد أن سبحت لدقائق لم تقارب الساعة الواحدة، كان هناك أمر غير الأمواج العاتية جعلني أتمسك بتلك الصخور المثقوبة المزينة بالطحالب البنية والخضراء ولا أحيد عنها. كان ثمة شيئان يظهران على وجه الماء ثم يختفيان. أقتربت من حافة الصخور وبقيت أحدق في الماء على مسافة متوسطة. بدا لي أنهما مخلوقان وليسا نفايات لفظتها الأمواج.

 بعد حين أصبح من الواضح أن المخلوق الأقرب كان سمكة صغيرة ميتة، تطفو بشكل عمودي، عوضاً أن تكون على ظهرها أو جنبها، فيبدو رأسها الصغير المدقق فوق سطح الماء. لا أدري ما الذي قد يتسبب في أن تبقى سمكة نافقة مستقيمة بشكل عامودي، ولكن هذا ما رأيته، ولم أكن سكراناً.

أما المخلوق الأبعد، فكان يظهر رأسه ثم يعاود الغطس برشاقة لتظهر واحدة من زعانفه، قبل أن يختفي جسمه الإنسيابي الجميل في الماء مجدداً. 

لم أستطع أن أتأكد مما إذا كان ذاك المخلوق دلفيناً أو قرشاً، وقد كان على الأرجح دلفيناً، ولكن ذلك لم يهمني. ما سحرني هو أنه كان هناك مخلوق بحري جميل متوحش يسبح قبالة شاطئ بيروت دون أن يجزع أو حتى يكترث لما حوله. لم تتوقف حركته الجميلة صعوداً من الماء ومن ثم نزولاً فيها.

 لم يهتم هذا الحيوان الجميل بكل ما هو موجود على بعد أمتار منه على اليابسة، ولا حتى اهتم بما كان موجوداً في المياه نفسها التي يغطس فيها. لم يهتم لفندق الريفييرا الذي يبتلع عدواناً عشرات الأمتار من الواجهة البحرية، ولا لحمام حماة الوطن الذين لا يتساوون، حيث التراتبية لا تسمح بالإختلاط حتى في المياه؛ لم يهتم المخلوق لأمر العامود الإسمنتي القبيح الذي ورث عن غير حق مكانة المنارة القديمة، التي تعلو وريثها بعدة أمتار ولكن قزّمتها أبنية أبشع منه؛ كما لم يكترث لعشرات النساء-المسوخ الواهمات بجمالهنّ اللواتي يتمشين على الرصيف البحري؛ لم يسمع هذا المخلوق بأزمة مياومي الكهرباء، ولو أني أجزم بأن فطرته الذكية والطيبة في آن كان ستنصفهم أكثر من وزيرهم. 

لم يهتم المخلوق لأي من هذا. لم يلهيه شيء عن حركته: يخرق سطح الماء صعوداً لينساب إليها عائداً بخفة قل مثيلها إن لم ينعدم. 

لا أعرف لماذا كان ذلك الوحش الجميل عند شاطئنا. كل ما أعرف أنّ ضيفاً عزيزاً حل علينا؛ ضيف لا نستحق شرف استقباله.












Wednesday, 11 July 2012

الصحافة في ((بلادنا)): في الأمس كما اليوم





المصدر: مدونة نقد بنّاء



 قد تبدو عبارة (( التاريخ يعيد نفسه)) مبتذلة في أحيان عدة لكثرة ما يتم تكرارها، ولكن قولها يصح في مواضع أخرى، منها وصف حال الصحافة في لبنان.   

في محاضرة لجبران التويني الأب (الجد)، ألقيت في الجامعة الأميركية في بيروت بتاريخ  8/12/1938 بدعوة من جمعية ((العروة الوثقى))*، تحدث تويني عن حال ((حرفة)) الصحافة في أيامه -- كان يرفض أن يسميها ((مهنة)) بسبب ارتباط هذه الكلمة المعجمي بمعنى المَهانة، أي الذل.

ينبّه تويني جمهوره لعلاقة الصحافة بالسياسة، ولكن ما هو ملفت، أنه تصدّى لمشكلة تمويل الصحافة والتبعية الزبائنية التي تنشأ إثر تلقي الصحيفة أموالاً من جهات سياسية، وهي مشكلة مهنية يبدو أنها كانت موجودة في الثلاثينات من القرن الماضي، أي قبل بروز المشكلة الحالية التي يتحدث عنها اليوم أهل الصحافة، وهي العجز المالي في الصحف  بسبب تدني المبيعات وسيطرة الإعلام الإلكتروني.

يقول تويني:

(( ... ان الاحزاب في الدول الديموقراطية تغطي العجز في صندوق الجريدة اذا وقع، بينما الدولة في الدول الاوتوقراطية هي التي تغطي العجز لان الدولة هناك هي الحزب، والبلاد كلها حزب واحد يجب عليها ان تفكر كما يفكر المسيطر عليها، المتحكم بمقدراتها.))

 ثم ينتقل إلى الحديث عن الصحافة المحلية: 
 
((على ان هناك بلاداً ليست بالديموقراطية ولا بالاوتوقراطية، بل هي حائرة بين النظامين، كبلادنا مثلا، فان حالة الصحافة في هذا النوع من البلاد من أسوأ الحالات واشدها ارتباكاً. فالصحافة فيها حرة في الأصل، لكن سلطة الحكومة ترصدها على المنعطفات، فاذا نشرت ما يعكر مزاج الحاكمين نكبوها بالتعطيل الاداري، من غير ان يعطوها فرصة الدفاع عن نفسها، كما يعطون المجرمين على الاقل ... .))

ما قاله تويني عن حال الصحافة وقتئذٍ يشبه ما يمكن قوله عن حالها اليوم، ولربما وجب استبدال عبارة ((التعطيل الاداري)) بعبارة ((المظاهرات العفوية وحرق الدواليب)) لكي يصبح التشابه تطابقاً. ولكن يبقى ما لم يقله تويني، ولم يقله بعده ابنه ولا حفيده، ولا إبنة حفيده: من ((يغطي عجز)) النهار؟

_____

على الهامش
  
في العدد الظاهر في الصورة أعلاه، وهو من العام 1933، ذيّل عنوان الصحيفة بالآية القرآنية وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً، ولكن هذه الآية اختفت في أعداد السنوات اللاحقة من الصحيفة.     

* غسان تويني، سر المهنة وأصولها - محاضرات في الصحافة ومقالات عن كبارها.  بيروت : دار النهار للنشر، 1990 

Saturday, 28 April 2012

New 'Suicide Bunny' Scheme: Blasphemy in Kuwait




The following was inspired by the recent law imposed by los Salafistas in the Kuwaiti parliament.

1. Study petroleum engineering.

2. Look for a position at Mina Al-Ahmadi oil refinery in Kuwait.

 3.Get the visa, plane ticket, pack and say your farewells to all of your family and friends.

4.Once at the airport in Kuwait, start blaspheming  really really loudly. 

Tuesday, 28 February 2012

عن مظاهرة على الأرجح ليست بذات جدوى: ((ثانكس)) على مشاركتكم


لم أتردد طويلا قبل أن أقرر المشاركة في تظاهرة دعى إليها نشطاء في المجتمع المدني عبر الفيسبوك، على الرغم من عدم إيماني بأي فعالية للتحرك. كان الطمع  بفرح المشاركة  بحد ذاته كافيا، إذ كانت مناسبة للتعبير الجماهي  عن الإشمئزاز؛ كنا ذاهبين
(( لنقرف مع بعض))، كما قالت ل.  لقد كان ((القرف)) قد وصل إلى مستويات عالية بعد مهزلة التسوية غير القانونية التي أجريت لحل الخلاف حول موضوع الحد الأنى للأجور، فكسب الوزير شربل نحاس تعاطفا و احتراما كبيرين لما تعرض له من خيانة سياسية من كتلته النيابية التي تدّعي الإصلاح. أثبتت هذه الحادثة مرة أخرى وقاحة السياسيين و تأكدهم أن ناخبيهم لن يحاسبوهم و لو للحظة واحدة عما يقترفون. لا ضير إذا من قول كلمة ((لا))، و لو كانت ستقع على آذان صماء.


بعد رحلة على متن باص يحمل الرقم 2، وصلت و أصدقائي  الثلاثة ل.، ج. و ف.  إلى نقطة التجمع في منطقة الدورة،  و التحقنا ببضع المئات من المتظاهرين الذين كانوا واقفين عند ناصية الشارع، حاملين لافتات معدة سلفا من قبل اللجنة المنظمة. تقدمت مني إحدى الفتيات من اللجنة و سألتني إذا ما كنت أريد لافتة مماثلة. ((و لمَ لا؟))؛ لقد بلغت هذا الحد من مسيري، فلأستفد من روحي الإيجابية التي نادرا ما تظهر. كانت اللافتة التي حملتها تطالب  بتوحيد قوانين الأحوال المدنية، فيصبح اللبنانيون إذا ما تحقق المطلب متساوين أمام القانون فيما خص الزواج و الطلاق و الإرث، و تزول بذلك العوائق  أمام  اللبنانيين الذين ينتمون إلى طوائف مختلفة و الراغبين بالتزاوج فيما بينهم.

و بعد حوالي بضع دقائق من الإنتظار حاملين لافتاتنا، إنطلقت التظاهرة بعد أن تيقن المنظمون من أن المئات لن يتحولوا إلى آلاف.  شقينا طريقنا و الناس من حولنا و من على الشرفات  ينظرون مستهجنين ما يرون. و قد أخذ المنظمون يرددون شعارات ((اقتبسوا)) ألحانها من أغان عربية معروفة أو هتافات سبق أن رددها المتظاهرون السوريون و المصريون، لتصبح الهتافات نشازا لم تستستغه آذان الكثيرين.  و لكن الفشل الموسيقي كان، و للأسف، أهون المشاكل التي وقعت فيها التظاهرة. فالمواضيع المثارة كانت متفرقة، تبدأ بالشكوى من اقطاع التيار الكهربائي، و تنتهي  بالتأكيد على حتمية سقوط النظام من خلال (( العلمانية)). كما بدت هذه المظاهرة كنوع من التطفل على الثورات العربية، و كـأن المنظمون كانوا يطمعون بالإستفادة مما حققته تلك  الثورات دون تقديم الجهد وبذل الدماء كما فعل المنتفضون العرب. 

و لكن أبرز ما لفتني كان هتاف إحدى الفتيات: ((جوعان و طبقي فاضي)). عندها تأكدت أن مشاركتي في فعاليات ذلك النهار كانت سخيفة و بلا أي مضمون. لم تكن مشاركتي هذه حتى كفيلة بتنفيس ((القرف)). من هم الجائعون يا عزيزتي؟ هل هم بيننا اليوم؟ لقد كان جلّنا، إن لم يكن كلنا، من البورجوازيين. بورجوازيون بوهيميون، نعم، لكننا بورجوازيين. ضائقتنا بورجوازية و كذلك هي أحلامنا. لا يكفي إطلاق الشعر أو اللحية، أو لبس الملابس الملونة الفضفاضة لكي يصبح المرء من البروليتاريا. لا شك أنه يوجد ((جائعون)) في لبنان، و هم إما عمال فقراء، أو ممن لا يعملون و هم تحت خط الفقر، و لكن هل هم بيننا في هذه التظاهرة؟ و إن لم يكونوا بيننا، هل جعلوا أي منّا وصيا أو وصية على كلمتهم؟  لا أظن ((الجائعين)) كانوا ليختموا المظاهرة بعبارة ((ثانكس)) كما بدر من أحد المنظمين كبادرة شكر على النشاط ((الثوري)) في يوم الأحد ذاك. 

بعد أن انتهى ذلك الحفل الكريم بوضع إكليل على حائط شركة الكهرباء كدلالة رمزية على موتها و إقامة حلقة دبكة على وقع إحدى الأغنيات ((اللاذعة السخرية)) ، إتجهنا جميعا نحو أحد المقاهي في الحمرا لنلاقي بعض الأصدقاء الآخرين.
 كانت ن. إحدى صديقات ل.  تبحث عن مؤسسة تؤمن لها منحة دراسية في ألمانيا بعد أن حصلت على القبول الجامعي. 

((أنا مستعدة لمنح صوتي السياسي لأي حزب،)) قالت ضاحكة. لكنها سرعان ما انتقلت إلى النقاش الجدي للتظاهرة التي كنا قد شاركنا فيها. (( لقد حان الوقت لتنحي الطبقة الوسطى و المثقفين جانبا و ترك الإحتجاجات لمن هم من الطبقات الدنيا. لقد رأينا المشكلة نفسها في الدعوة إلى إسقاط النظام الطائفي [و هي الحركة التي دعا إليها أنصار ((العلمانية)) في لبنان العام الماضي و التي انتهت بخلافات كبيرة فيما بين المنظمين أنفسهم] بالإضافة إلى حركة ((فلنحتل وال ستريت)) التي يبدو أنها انهارت من الداخل ، فهذه الطبقة مهووسة بصورتها أمام الجمهور أكثر من أي شيء آخر،)) حسبما قالت ن.،  خاتمة أنها تترك لبنان غير نادمة.

 و أنا؟ أين أذهب؟ لم يمض على عودتي أكثر من تسعة أشهر. و لكن لا بأس؛ فأنا عدت مراقبا، لا حالما و لا مصلحا ولا ثائرا. لطالما قلت لنفسي أن من يريد أن يكتب في تاريخ و مجتمع  لبنان لا بد من أن يعيش فيه. هذا أضعف الإيمان.

ثم انتقل الحديث إلى ما تعانيه م. من مشاكل و صعوبات في حصر إرث والدتها المتوفاة. كانت م. تشكو الضريبة المرتفعة البالغة 11 بالمئة على كل ممتلكات والدتها، خصوصا أن السيدة الراحلة كانت موظفة متوسطة الحال، لا يتناسب ما تركته مع حجم الضريبة. قال أحدنا أن هذا القانون عُلّق العمل به لمدة ثلاثة أيام عندما قتل رئيس الوزراء رفيق الحريري لكي يستفيد أبناؤه من نقل ممتلكات أبيهم دون دفع الضريبة، و أن من ذهب من عامة الناس لحصر إرث موتاه بعد انقضاء الأيام الثلاثة فوجئ بالعودة إلى القانون القديم. ثم ذكرت ن. أن البحث جار في منح العفو الضريبي نفسه لأقرباء كل من مات في العام 2005 كنوع من التحايل على الفضيحة.

(( و هل يجوز فرض الضريبة على أموال أب الرغيف؟)) قال ج. بسخرية مرّة. فكرّت في ذلك، ثم وردت في ذهني صورة الجموع تتوافد للوقوف عند ضريح الحريري بخشوع، و الكرنفال السياسي الذي يقام كل عام تكريما لذكراه  و شحذا للهمم، ثم قلت لنفسي أن ما سمعته عن ذلك الإعفاء الضريبي الذي استفاد منه أولاد الحريري كان يجب أن يكون كافيا لجعل الناس يرقصون عراة فوق قبره.

 ربطت تلك الفكرة بالتظاهرة التي كنا قد شاركنا بها قبل بضع ساعات. هل ستكفي هذه التظاهرة الهزيلة  التي شاركنا فيها لتغيير هذا الواقع المر حيث التبعية السياسية العمياء ((لملوك الطوائف)) و زعماء الحرب الأهلية بكافة مذاهبهم؟ هل سيكفي الزواج المدني لتغيير الإصطفاف الطائفي من الأسفل صعودا؟ إن الأمر مرتبط بتعقيدات إجتماعية و اقتصادية تراكمت على مدى أكثر من قرن و نصف القرن. هل تكفي بضع الهتافات غير المتناسقة ((لهدم المعبد)) دفعة واحدة ؟ لمَ لا توضع خطة طريق تبدأ بخطوات عملية و متصلة بأحداث الساعة؟ لا زالت المشاورات تجري حول وضع قانون الإنتخاب جارية. لم لا تجري محاولة جدية و منظمة لاقتراح قانون انتخابات خارج القيد الطائفي؟ و  ماذا عن ذلك الهوس بالعلمانية؟ ألا يدري هؤلاء المتظاهرون أن نظامنا علماني أصلا لأنه ليس مستمد من أي تشريع ديني فيما عدا قانون الأحوال الشخصية؟ نظامنا طائفي، و لكن الإنتماء الطائفي الذي يُعتمد كأساس لتحديد واجبات الأفراد في لبنان و حقوقهم هو أيضا علماني، لأنه لا يعدو كونه مجرد ((لون)) إجتماعي، مثله مثل الإنتماء الإثني أو لون البشرة. 


أنهيت زجاحة البيرة التي كانت في يدي، فإذا بمحتواها و كأنه نزل في غير موضعه؛ اقترن هذا المحتوى بالتعب الجسدي ليزيد الأسئلة في رأسي تنافرا و اصطداما. ألف سؤال و سؤال لا يجد جوابا شافيا. لا أعرف إن كنت قد خنت الوعد الذي قطعته على نفسي بعدم الأمل بالتغيير.  كل ما أعرفه أني خرجت صباح ذلك اليوم طامعا بالتعبير البنّاء عن ((قرفي))، فإذا بي أعود مساء و قد زدت اشمئزازا. 


مصدر الصورة: مسروقة من الفيسبوك
_________


على الهامش: هذا ما جناه عاصي و فيروز على زياد! 


كانت مكبرات الصوت قبل انطلاق التظاهرة تصدح بأغنية ((عالنظام)) التي أطلقها زياد الرحباني في أوائل التسعينات ضمن ألبومه ((أنا مش كافر)). تبدأ الأغنية بانتقاد اللبنانيين لعدم تقيّدهم بالنظام العام، ثم تنتهي بخلق بيئة سمعية إفتراضية بالتحول من الكلام بالعربية المحكية باللهجة اللبنانية إلى أصوات غير مفهومة يبدو أنها تحاكي اللغات الأفريقية، و تتداخل مع أصوات القرود والطيور لخلق بيئة سمعية تحاكي الأدغال. 

هل أراد زياد الرحباني أن يقول أننا قبائل متخلفة تماما كما هم أفارقة الأدغال؟ 

إن شخصا مثل زياد الرحباني الذي طالما انتقد اللبنانيين لتوجسهم من ((الغريب)) و ترفعّهم عنه، لم يستطع  تفادي القوالب العنصرية التي طالما وُضع فيها الأفارقة. إضافة إلى ذلك، يبدو أن الرحباني لم يستطع أن يتقبل كون الإنقسام القبلي أو الطائفي سمة لبنانية بامتياز، وضعت بذورها  في التراب مع بذور الكيان اللبناني نفسه. لا حاجة للقول أن اللبنانيين قبليّون مثل الأفارقة؛ إننا في قبليّتنا نشبه أنفسنا و لا أحد غيرنا.

و لكن لا عتب على زياد الرحباني. لا بد أن تلك الأغنية كانت نتاج التعرض الطويل لمسرح الرحابنة بخرافاته الوطنية.  

((هذا جناه عاصي و فيروز عليّ و ما جنيت على أحد!))

Monday, 20 February 2012

خبر عاجل !

الرئيس بشار  مخاطباً الشعب العربي السوري : " ليكا الكاميرا وين!" 
 

Sunday, 30 October 2011

يوم (شبه) عادي

المصدر :Jaber al-Anazi
تحرك عقرب الساعة  الكبير قليلا إلى اليمين، فوصل إلى الرقم 12، بينما كان العقرب الصغير قد سبقه إلى الرقم 7. دق جرس المنبه، فمد سمير يده و أسكته، و عاد إلى النوم.
ثم بعد خمس دقائق، عاود المنبه رنينه، فعاود سمير فعلته مرة أخرى، قبل أن يستسلم للنهوض عند الجولة الثالثة من رنين المنبه بعد خمس دقائق اخرى.

جرّ سمير نفسه  إلى الحمام على مضض، و عيناه لا تزال مغمضتان؛ إستحم سمير ثم ارتدى بذلته الرسمية. توجه بعدها إلى المطبخ ليشرب فنجان القهوة الذي واظب على تناوله صباح كل يوم على مدى أكثر من عشرين عاما.

ما إن أنهى سمير قهوته حتى توجه ليبدأ يومه المعتاد، فنزل الطبقات الست مستخدما  المصعد، ثم اشترى جريدته المفضلة و وضعها تحت إبطه دون أن يتصفحها، و من ثم توجه نحو حماره ليجده مستيقظا و في انتظاره.  إمتطى سمير حماره و توجه به إلى مكان عمله، سائرا بين السيارات و الحمير و سائر المطايا الأخرى.

و أثناء مسيره، رأى سمير ما اعتاد رؤيته صباح كل يوم في شوارع العاصمة: 
أول ما طالعه كان أحد مكاتب التشغيل التي تنتشر في كل الشوارع، و قد اعتلى مدخله لافتة كبيرة كتب عليها "إستقدام نساء فقيرات جدا و فارعات القامة من كافة الدول المنضوية سابقا في حلف وارسو".

ثم تقدم قليلا و رأى عدة عناصر من الشرطة. فرجال الشرطة و شتى أجهزة الأمن الأخرى، كثيفو الوجود في المدينة التي يقطنها سمير، و يرتدون بّذات تتعدى بعدد ألوانها ألوان الطيف؛ فمنها الرمادي و الزيتي الغامق و الزيتي الفاتح و البني و الكحلي و الأسود.

أول شرطي رآه سمير كان يقف أمام فرن للمعجنات، فكان الشرطي ينظر إلى أصناف المعجنات بينما يده اليمنى تداعب بطنه المتدلي فوق الحزام تارة و خصيتيه تارة أخرى.

ثم سار به الحمار قليلا ، فرأى سمير شرطيا آخر يضرب بائعا متسولا، لا يتعدى من العمر السنوات العشر. فتابع طريقه قدما، فإذا ببصره يقع على سيارة رباعية الدفع، زجاجها داكن، يترجل منها رجل طويل القامة يلبس نظارات سوداء، سرعان ما شرع بكيل اللكمات لشرطي السير حتى وقع الأخير على الارض، فعندها أخذ الرجل بركله.

كانت قدم الرجل تطأ رأس الشرطي تارة و شجرة الأفوكاتو التي تتوسط قبعته العسكرية تارة أخرى،  و الناس من حوله، و منهم سمير نفسه، يتفرجون قليلا ثم يتابعون مسيرهم غير مهتمين. 

تابع سمير مسيره،  قبل أن يتوقف الحمار فجأة. حاول سمير أن يجبر الحمار على التحرك و لكن دون جدوى، فقرر حينها أن يستوقف سيارة أجرة. جلس سمير إلى جانب السائق، و كان الأخير يستمع إلى برنامج إذاعي يستضيف الله . 

كان الله يتكلم إلى المذيعة بإسهاب عن شتى المواضيع الدنيوية و الروحية على حد سواء، وكان يتحدث بالعربية طوال الوقت، غير أنه كان يشرد أثناء الحديث، فيتكلم بالبرتغالية حينا، و باللغة السواحيلية حينا آخر، قبل أن يتنبّه إلى الأمر و يعود للتحدث باللغة العربية من جديد.

كان الله هادئا على غير عادته، و قد استرسل  بالحديث إلى المستمعين و نصحهم بالإكثار من الصلاة.  

و قد ارتاح الله أثناء الكلام مع المذيعة اإلى حد أنه قرر البوح بسر عظيم.

مد سائق الاجرة رأسه فجأة من نافذة السيارة، و قطع صمته الطويل بأن صرخ بأعلى صوته: " شوكولا!"، و ذلك لدى رؤيته فتاة إثيوبية تمر ماشية. أما سمير، فكان جل ما يهمه هو أن يُجنِّب عينيه الدخان المتصاعد من سيجارة السائق. هكذا فوت الإثنان فرصة معرفة موعد يوم القيامة.

وصل سمير إلى مقر عمله متأخرا، فركض مسرعا إلى موقعه. 
كان سمير يعمل في مركز لتفقيس بيض الديك الرومي، و المركز كان مساهمة من الشعب الأميركي لدعم النشاطات البديلة عن الصحافة. و بعد نحو عشر دقائق من جلوسه فوق العش المخصص له، فقست إحدى البيضات التي في العش، و خرج الصوص ينظر إلى سمير بحنان، غير أن سمير كان منشغلا بقراءة أخبار الدوري الإسباني بكرة القدم، فاستشاط غضبا لدى قراءته نبأ خسارة نادي برشلونة، و أخذ يشتم و يرفس الأرض بقدمه، إلى أن داس الصوص، فعوقب بحسم 75 دولارا من أجره الشهري البالغ 50 دولارا.

إتجه سميرنحو بيته بعد انتهاء الدوام، و مر بحماره ليجده مسروقا. و سرقة الحمير في المدينة التي يعيش فيها سمير كانت أمرا معتادا، حيث يدير وزير الصحة و رئيس لجنة حماية المستهلك في وزارة الإقتصاد شركة لإنتاج لحوم الحمير المعلبة، تعتمد على سرقة الحمير كمصدر رئيسي للحومها. 

تابع سمير مسيره نحو بيته، و ما إن وصل إلى مدخل  البناية حيث يقطن، حتى ضغط زر المصعد،فإذا به يفجع بما لم يصادف في حياته، لا هو و لا أي من ابناء بلده الآخرين؛ فقد كان التيار الكهربائي مقطوعا !
 

Saturday, 22 October 2011

في آخر صورة للعقيد: تكاد الثورات لا تعرف شيئا من النقاء

(Reuters )
سقط القذافي أخيرا.

إنتهى الدكتاتور الذي طالما خلناه مضحكا بكتابه الأخضر بما  يحويه من خرفشات معتوه يدعي العبقرية، و شعره المجنون، و خيمته التي  كانت لا تفارقه أنما توجه، و  نسائه اللواتي استبدل بهن الحراس الذكور، و هو لم يتوقف عن إضحاك العالم حتى في آخر أشهر حياته، عندما أطلق  صيحته "زنقة زنقة".   و انتهى أيضا من  كان يكتم صورة الليبيين و صوتهم عن العالم، و يكتم العالم عنهم؛ لقد كانت الثورة الليبية الفرصة للكثير من العرب لكي يروا أناسا ليبيين عاديين عبر شاشات التلفزة، و يسمعوا  اللهجة الليبية.

و لكن جاءت الصورة الأخيرة لا تمت للضحك بصلة: رجل  منهك تسيل منه الدماء، و تتوالى على وجهه اللكمات.

لقد كان محاطا بشبان ولدوا في عهده و لم يعرفوا صورةَ غيره في شوارع مدينتهم و على شاشة تلفزيونهم الحكومي. كانت النشوة قد أخذتهم إلى  حد الجنون؛ فيصيحون في وجهه بشكل هستيري :
"مصراتة! مصراتة!.. مصراتة يا كلب، مصراتة!" لم تسعفهم اللحظة على التحدث إليه بجمل مكتملة، أو ربما إعلامه بكل ما آسوه؛ لم يتسن لهم تعداد أسماء أقاربهم و رفاق سلاحهم الذين انتزعت  رصاصات الكتائب حياتهم.

كانوا يعلمونه بأنهم سيأخذونه إلى المدينة التي خرجوا منها لينازلوه، المدينة التي أمر بقصفها طوال أكثر من ثمانية أشهر، و قطع عنها الماء و الكهرباء. لقد كانت صواريخ الغراد و الكاتيوشا و قذائف المدفعية الثقيلة تنهمر على مصراتة من أطراف مدينة بني الوليد، التي تحوي قاعدة عسكرية ضخمة.

وقد سنحت لي الفرصة  للتحدث عبر الهاتف مع ناطق باسم ثوار المدينة قبل حوالي سبعة أشهر. كان الرجل منهكا، لا يميّز الأيام و التواريخ من بعضها، و لكنه كان فخورا بما صنع أبناء مدينته، فيتلو تفاصيل المعارك، ثم يناشد العالم تأمين الغذاء و المستلزمات الطبية و وسائل إجلاء الرعايا الأجانب عن المدينة.
ترنحت مدن أخرى، مثل أجدابيا، و تداولها كل من الثوار و كتائب القذافي  أكثر من مرة، علما أن  أجدابيا كانت أقرب إلى عاصمة الثوار في الشرق، بنغازي، بينما بقيت مصراتة عصيّة على الإحتلال.

 كان عقاب معمر القذافي إذا أن يُقتاد إلى المدينة التي أراد إزهاق روحها، و لكن تبين أن عقابه كان أوخم؛ ظهرت  صور القذافي  ميتا، بعد أن بدا في الصور الأولى قادرا على الكلام و المشي. يترك التتابع الزمني للصور هذه شكوكا كبيرة حول ما أعلنه الثوار و القادة السياسيون عن كون القذافي قد علِق في تقاطع للنيران بين الكتائب و الثوار، و يزيد في الشكوك إعلان المجلس الإنتقالي عن عدم السماح بإجراء أي تشريح للجثة. كما و يبدو من شبه المؤكد أن يكون إبنه المعتصم قد لقي حتفه إعداما، حيث يظهر تسجيل مصور له و هو يدخن و يتكلم إلى حراسه قبل أن يعرض ميتا. 
يعرض معمر القذافي الآن  و إبنه ميتين في مصراتة،  حيث يستطيع كل من فقد عزيزا له على أيدي جنوده أن يراه و يحتفظ بصور له في هاتفه الجوال، و هي نعمة جديدة من نعم التكنولوجيا -- و لا أقولها تندّرا --  أن تسنح لك الفرصة بأن تحتفظ بصورة دكتاتور أراد إجبارك طوال أربعة عقود على أن تعترف به إلها، أن تسنح الفرصة بأن تحتفظ بصورته في علبة بلاستيكية صغيرة تضعها في جيبك، كمن يعيد المارد إلى القمقم.
و صور القتلى من الرؤساء لسنا معتادين عليها؛ لقد تعودنا أن نرى صور أشلاء المدنيين في كل من لبنان و فلسطين و العراق و أفغانستان، و مؤخرا في اليمن و ليبيا نفسها. لقد كان التسجيل الذي يظهر العقيد قتيلا، أو ذاك الذي يظهره يُنكل به قبل أن يقتل، هو الثالث من نوعه، فقد حظي العراق بتاريخه الدموي بالإثنين الآخرين؛ إذ بث تسجيل لإعدام الرئيس عبد الكريم قاسم عام 1962، قبل الفورة الإلكترونية في وسائل التسجيل و الإتصال بعقود عديدة، كما تم تناقل التسجيل الخاص بشنق صدام حسين بعد أربع و أربعين عاما.

و لكن ماذا تخبرنا الصور الأخيرة للقذافي، غير التأكيد على أن الرؤساء قابلين للموت، بغض النظر عما إذا كان موتهم ظلما أو عن وجه حق؟
تؤكد هذه الصور حقيقة يصر الكثيرون على تجاهلها، و هي أن الثورات ليست بالنقاء الذي يتخيلونه.

لقد قتل كل من معتصم و معمر القذافي بعد الأسر، و ذلك بالطبع لا يضعهما  لا في مصافِ الشهداء ولا الأبطال. و لكنه و للأسف، يؤكد ما كان يتم تناقله حول القتل العشوائي الذي اعتمده الثوار، و الذي كان يستهدف من يعتقد أنهم مرتزقة أفريقيون، و هي أنباء كان يتم إخفاؤها عن صفحات و شاشات الإعلام العربي الموالي للثورة.
ليس مستغربا أن يحدث ما حدث؛ فأربعة عقود من العنف و القتل لن تولد إلا العنف و القتل كرد عليها. إنه من الصعب التخيل أن تكون  ثورة غير دموية قادرة على الإنتصار على كل القتل و الدمار الذي اعتمده القذافي.

و حتى الثورة المصرية التي لم تعمد إلى السلاح، لم تقدر أن تقدم للعالم صورة نقية لا تشوبها أية شائبة: لا زلت أذكر بعضا من البث المباشر الذي كانت تنقله قناة الجزيرة مباشر من ميدان التحرير. كانت المناسبة قداس يوم الأحد، و قد أقيم بموازاة صلاة الجماعة، التي كانت تقام كل يوم جمعة. كان معرّفو الحفل يشرحون للجموع التي  جُلُها من المسلمين، ماهيّة الأناشيد و الصلوات الكنسية التي كانت تتم تلاوتها، فكان يأتي الجواب صفيرا و زعيقا و ضربا على الطبلة، و كأن الجموع كانت في مباراة كرة قدم، لا في حضرة طقس ديني هو من أقدس أقداس شركائهم في الوطن و الثورة   . 

يقول المفكر الشيوعي حسن حمدان (مهدي عامل)، و الذي تم اغتياله في بيروت عام 1987: 
"الثورة ليست لفظا أو تجريدا، إنها طمي الأرض، لا يعرفها من يخاف على يديه من وحل الأرض...!! و كيف تكون الثورة نظيفة .. و هي التي تخرج من أحشاء الحاضر متسخة به تهدمه و تغتسل بوعد أن الإنسان جميل حرا".

و إلى حين تحقيق جمال الإنسان و حريته الموعودين، لا بد من حفظ الصورة كاملة، إنصافا للتاريخ.