peintures-tableaux.com كلود مونيه (La Mer à Antibes)البحر في انتيب |
قررت السباحة في المياه المجانية على شاطئ مدينتي. لم
أشأ أن أدفع المال لقاء ما هو حق طبيعي. غطست في المياه مع أني كنت أعرف ما قد تحويه بالرغم من صفائها، فالهواء
الذي نتنشقه غصباً ليس أكثر نقاءً.
وبعد أن سبحت لدقائق لم تقارب الساعة الواحدة، كان هناك أمر غير الأمواج العاتية جعلني أتمسك بتلك الصخور المثقوبة المزينة بالطحالب
البنية والخضراء ولا أحيد عنها. كان ثمة شيئان يظهران على وجه الماء ثم يختفيان.
أقتربت من حافة الصخور وبقيت أحدق في الماء على مسافة متوسطة. بدا لي أنهما مخلوقان
وليسا نفايات لفظتها الأمواج.
بعد حين أصبح من
الواضح أن المخلوق الأقرب كان سمكة صغيرة ميتة، تطفو بشكل عمودي، عوضاً أن تكون
على ظهرها أو جنبها، فيبدو رأسها الصغير المدقق فوق سطح الماء. لا أدري ما الذي قد
يتسبب في أن تبقى سمكة نافقة مستقيمة بشكل عامودي، ولكن هذا ما رأيته، ولم أكن
سكراناً.
أما المخلوق الأبعد، فكان يظهر رأسه ثم يعاود الغطس
برشاقة لتظهر واحدة من زعانفه، قبل أن يختفي جسمه الإنسيابي الجميل في الماء
مجدداً.
لم أستطع أن أتأكد مما إذا كان ذاك المخلوق دلفيناً أو
قرشاً، وقد كان على الأرجح دلفيناً، ولكن ذلك لم يهمني. ما سحرني هو أنه كان هناك مخلوق
بحري جميل متوحش يسبح قبالة شاطئ بيروت دون أن يجزع أو حتى يكترث لما حوله. لم
تتوقف حركته الجميلة صعوداً من الماء ومن ثم نزولاً فيها.
لم يهتم هذا
الحيوان الجميل بكل ما هو موجود على بعد أمتار منه على اليابسة، ولا حتى اهتم بما
كان موجوداً في المياه نفسها التي يغطس فيها. لم يهتم لفندق الريفييرا الذي يبتلع
عدواناً عشرات الأمتار من الواجهة البحرية، ولا لحمام حماة الوطن الذين لا
يتساوون، حيث التراتبية لا تسمح بالإختلاط حتى في المياه؛ لم يهتم المخلوق لأمر العامود
الإسمنتي القبيح الذي ورث عن غير حق مكانة المنارة القديمة، التي تعلو وريثها بعدة
أمتار ولكن قزّمتها أبنية أبشع منه؛ كما لم يكترث لعشرات النساء-المسوخ الواهمات
بجمالهنّ اللواتي يتمشين على الرصيف البحري؛ لم يسمع هذا المخلوق بأزمة مياومي
الكهرباء، ولو أني أجزم بأن فطرته الذكية والطيبة في آن كان ستنصفهم أكثر من
وزيرهم.
لم يهتم المخلوق لأي من هذا. لم يلهيه شيء عن حركته:
يخرق سطح الماء صعوداً لينساب إليها عائداً بخفة قل مثيلها إن لم ينعدم.
لا أعرف لماذا كان ذلك الوحش الجميل عند شاطئنا. كل ما أعرف أنّ
ضيفاً عزيزاً حل علينا؛ ضيف لا نستحق شرف استقباله.